ما هو تاريخ نشأة العطور؟ وإلى أي عصر يعود اكتشافها؟ ومن أول من استخدمها؟ وهل كانت على هيئتها التي هي عليها الآن؟ وما هو تاريخ نشأة العطور في السعودية؟.. هذه بعض أسئلة  قد ترد على ذهن أي عاشق للعطور، وللإجابة عن هذه الأسئلة يمكن أن نقسم الحديث على أربعة مراحل زمنية:

أولاً: العطور في العصر الحجري

أثبتت الدراسات أن الإنسان في أول نشأته على هذه الأرض، تعرف على العطر عن طريق شم الروائح. . حسنها وسيئها؛ ثم وجد أن مصدر الروائح الطيبة يعود إلى تلك المعامل الصغيرة التي نشرها الله تعالى في الأرض والتي تتمثل بالأزهار والأعشاب ذات الروائح الطيبة، فكان الإنسان البدائي يأخذ هذه الزهرات والأعشاب ويحرقها حتى تمنحه الروائح العطرة، وهذه كانت طريقة استخدامه لها، وكان البشر يستخدمها في الزينة فقط، وذلك لصعوبة تحضيرها، وعدم تيسر المعدات اللازمة لاستخلاصها، ثم تطور الحال بعد ذلك قليلًا في عصور الحضارات المختلفة.

ثانيا: العطور في الحضارات المختلفة

  • العطور الحضارة المصرية :

وفقاً للمؤرخين، فقد كان لمصر دورا كبيراً في تأسيس صناعة العطور، وكان المصريون يستخلصون العطور من الأزهار بطريقتين اثنتين، الطريقة الأولى تتمثل بوضع الأزهار في لوحة كبيرة لها طرفان من ورق البردي، ثم تمسك بالورق سيدتان، تضعان الورود مع قليل من الماء في داخل اللوح، ثم تدوّر كلُّ سيدة الطرف الذي تمسك، ويكون التدوير على عكس اتجاه السيدة الأخرى، بعد ذلك يتم عصر الورود، فيخرج العطر منها، وكانوا يضعون تحتهما إناءً كبيرًا ليتسع للكمية المعصورة، وبعد ذلك يحتفظون بهذا المستخلص في أواني خزفية وفخارية صغيرة، وكان العطر يصنع للملكات ولزوجات الأمراء والكهنة للتزين به عند الاحتفالات وكان أهل المال الوافر يستخدمونه فقط لأنه كان غاليًا.

أما الطريقة الثانية، فتتمثل بوضع الورود في إناء فخاري صغير، ثم يحرثونه ليعطي رائحة عطرة للجو، وكان هذا النوع من العطور يستخدم في القرابين المقدمة للآلهة وفي توديع الموتى، ولم يكن لأغراض الزينة، وذلك بعكس النوع الذي قبله.

  • العطور في الحضارة القبرصية:

قام علماء بريطانيون بالبحث والتنقيب عن العطور القديمة فوجدوا أن أقدم عطر كان موجودا في جزيرة قبرص، ويعود تاريخه إلى 4000 آلاف سنة، واكتشفت إحدى البعثات أن هذه المدينة كان فيها رقعة أرض كبيرة يصنع فيها العطور، وأن استخلاص القبارصة للعطور كان على خطى المصريين القدماء الذين برعوا في هذا المجال، بسبب أن المعدات التي استخدمها المصريون كانت تشبه كثيراً تلك المعدات المستخدمة في جزيرة قبرص.

  •  العطور في الحضارة القبطية:

في زمن هذه الحضارة تعددت طرق صناعة العطور، وأبرز الطرق التي استخدمها الأقباط في صناعية العطور هي طريقة مزج سائل شجرة المر مع قرفة عادية ثم يضيفون إليه عصير قصب سكر و بعض القرفة الصينية مما يعطيه قوة وثباتاً، وكانت هذه الطريقة خاصة بالقساوسة و ببعض النساء .

ثالثا العطور في الحضارة الإسلامية

اهتم المسلمون بالطيب، استجابة لأمر دينهم الحنيف ومن باب النظافة الشخصية ، وتأسياً بنبيهم الكريم صلى الله عليه وسلم، فقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحب الطيب والبخور ويأمر به، وقد ورث المسلمون عن الحضارات السابقة طرق استخراج العطر، إلا أن العرب كانوا هم أول من استخدم تاج الزهرة لاستخراج ماء الزهور منذ 1300 عام، حتى أنهم لم يستخدموه فقط في التطيب، وإنما استخدموه أيضا بالتطبب من بعض الأمراض.

يعد عطر الورد من أقدم أنواع العطور التي لاقت رواجاً كبيراً بين القبائل العربية، حتى صارت في صدر هدايا زعماء القبائل والأمصار، وضمن العطايا التي يعطونها من يستحق، فاستخدموا مختلف أنواع الورد لاستخراج العطر كالياسمين والفل والورد وزهرة الياسمين، فبرعوا بذلك وأخذوا ينشرون طريقة استخراج العطر بين الناس، ويعتبر ابن سينا من أبرز العلماء العرب الذين اهتموا بتركيب العطور، حيث اشتهر بثقافته العامة وخبرته بالطب والطبيعة، حتى أنه كتب كتاباً أسماه “كيمياء العطور”، وهذا الكتاب احتوى على الكثير من أنواع العطور التي كان يركبها ابن سينا، والتي تعود للعصور السابقة، فكتب قائمة طويلة في أنواع العطور وطريقة صنعها، وكان يستخدم المسك والعنبر في تراكيبه كعناصر أساسية كما هو واضح من الخلطات التي أودعها كتابه النفيس، وهذا الأمر يوضح براعة هذا العالم الفذ الذي لم يترك علماً من العلوم  إلا ووضع بصمته فيه، كما يبين لنا مدى اهتمام المسلمين بالعطور والنظافة والأناقة.

رابعاً: العطور في العصر الحديث:

اهتم الأوروبيون، خاصة، بتصنيع العطور وتصديرها للعالم، حيث ورثت أوروبا أغلب طرق تصنيع العطور من العرب، وقد اشتهر الهنجاريون (سكان المجر) بذلك، حيث كانوا أكثر الشعوب الأوروبية اهتماماً بالعطور وتركيباتها، حتى غدا هذا العلم فناً تتوارثه الأجيال في محلات صناعة العطور الصغيرة، والمصانع الكبيرة لشركات العطور التي أثبتت نجاحها وبراعتها في تركيب العطور.

أضاف الهنجاريون مادة جديدة للعطور لم يسبقهم إليها أحد، وهي مادة الكحول وأول عطر استُخدم فيه الكحول كمادة أساسية كان في عام 1370م، وكان ذلك بتكليف من إليزابيث ملكة بولندا التي كانت تحب العطور وتقتني أجملها، وقد أطلق علي هذه العطور الممزوجة بالكحول “ماء هنجاريا” نسبة للهنجاريين الذين أبدعوا صناعة هذا العطر.

أما الفرنسيون، فقد كان لهم باع طويل في صناعة العطور وتركيبها بشكل فريد ومميز، وبذلك أصبحوا الرواد عبر التاريخ في صناعة العطور، ومن الملاحظ أن الفرنسيون جميعاً، صغيرهم وكبيرهم، اهتموا بالعطور وأولوه أهمية قصوى مما أكسبهم الإبداع في تركيبه، فأفردوا للعطر المعامل المختصة بتصنيعه، وقاموا بإدخال عناصر جديدة لم تكن معهودة في عالم العطور حتى غدا العطر الفرنسي ضمن أفضل العطور في العالم.

وبعد هذا كله تم إدخال المواد الكيميائية إلى العطور فغيرت مجرى الصناعة بشكل جذري، ووضعت بصمة جديدة في تاريخ العطور فصار العطر لكافة الطبقات، الفقراء والأغنياء، حيث سمح إضافة المواد الكيميائية إلى العطور بتكثير أنواعها، وظهرت في الأسواق العطور المقلدة التي يشتريها ما لا يملكون قيمة الأنواع  غالية الثمن، ومع ذلك، تبقى العطور الطبيعية صحية أكثر وإن ارتفع ثمنها، وثباتها أطول، وريحتها أقوى.

عطور السعودية.. بين الأمس واليوم

تعد صناعة العطور في السعودية واحدة من أقدم وأعرق الصناعات التي تعكس عمق الثقافة والتراث السعودي، فمنذ العصور القديمة، لعبت العطور دورًا محوريًا في الحياة الاجتماعية لأهل الجزية العربية، حيث كانت ترمز للجمال والنقاء والضيافة.

ويعتبر تاريخ العطور في السعودية جزءًا من تاريخ التجارة العربية، حيث كان التجار العرب يتبادلون العطور مع دول أخرى، مما ساهم في نشر الثقافة العطرية، وتُعتبر العطور من البضائع الفاخرة التي كانت تتداول في الأسواق العربية القديمة.

وكانت صناعة العطور تمثل جزءًا هامًا من اقتصاد الجزيرة العربية، حيث كان التجار يجلبون المواد الخام من مناطق بعيدة مثل الهند وجنوب شرق آسيا، كما تواجدت الأسواق في مكة والمدينة لتبادل مختلف أنواع العطور.

في الجزيرة العربية، يمكن إرجاع تاريخ العطور إلى العصور القديمة، حيث لعبت المنطقة دورًا هامًا في تجارة العطور بسبب موقعها الجغرافي المميز. كانت الجزيرة العربية نقطة تلاقي الطرق التجارية التي تربط بين الشرق والغرب، مما جعلها مركزًا لتجارة العطور والمواد العطرية مثل العود والمسك واللبان.

الألفية الأولى قبل الميلاد

تشير الأدلة الأثرية إلى أن صناعة العطور بدأت تأخذ طابعًا منظّمًا في الألفية الأولى قبل الميلاد، حيث كانت القبائل العربية تصنع العطور من النباتات والأخشاب العطرية المتوفرة في البيئة المحيطة، وكان الناس في ذلك الوقت يستخدمون تقنيات بسيطة لاستخلاص الزيوت العطرية، وكانت عملية تصنيع العطور تتم بطرق يدوية تعتمد على الخبرة والمعرفة التقليدية.

العصور الوسطى

خلال العصور الوسطى، تطورت صناعة العطور بشكل كبير في الجزيرة العربية، بفضل التجارة النشطة مع بلدان أخرى مثل الهند وبلاد فارس، وكانت هذه التجارة تؤدي إلى تبادل المعرفة والمواد العطرية، مما ساهم في تحسين تركيبات العطور وتقنيات صنع العطور. في هذا الوقت، أصبحت العطور جزءًا أساسيًا من الحياة اليومية، واستخدمت في المناسبات الاجتماعية والدينية.

العصور الحديثة

مع دخول العصور الحديثة، شهدت صناعة العطور في السعودية تطورًا ملحوظًا بفضل التكنولوجيا والابتكارات الجديدة. بدأت شركات تصنيع العطور في استخدام تقنيات متقدمة لاستخلاص الزيوت العطرية وابتكار أنواع العطور التي تلبي أذواق المستهلكين المختلفة، واليوم، تعد المملكة العربية السعودية واحدة من الدول الرائدة في صناعة العطور، حيث تجمع تركيبات العطور بين التراث العريق والتقنيات الحديثة.

دور العطور في الحياة اليومية

لعبت العطور دورًا مهمًا في الحياة اليومية للسعوديين، حيث تم استخدامها في المناسبات الاجتماعية مثل الأعراس والاحتفالات لتعزيز الأجواء وإظهار الكرم، ويعكس تاريخ العطور في السعودية ثقافة غنية بالتقاليد، حيث تعتبر العطور رمزًا للجمال والرفاهية، ويُستخدم البخور والعطور في المجالس والمناسبات العائلية لخلق أجواء مميزة.

العطور التقليدية

تشمل أنواع العطور التقليدية في السعودية عطورًا مثل دهن العود، والمسك، والعنبر، والزعفران، وكل نوع من هذه العطور له تركيبة خاصة وطرق تحضير تقليدية تُميزها عن غيرها، ويُعتبر دهن العود من أفخم العطور وأكثرها شهرة في السعودية، ويُستخدم بكثرة في المناسبات الهامة والأعياد.

تأثير الثقافات المجاورة

تأثرت صناعة العطور في السعودية بالثقافات المجاورة نتيجة للتبادل التجاري والثقافي، فقد كانت القوافل التجارية تنقل العطور عبر الطرق التجارية القديمة، مما ساهم في دمج تقنيات وأساليب جديدة في صنع العطور المحلية، وعلى سبيل المثال، فقد تأثرت طرق التقطير واستخلاص الزيوت العطرية بالتقنيات المستخدمة في بلاد فارس والهند.

كيف تطورت صناعة العطور السعودية؟

شهدت صناعة العطور في السعودية تطورًا كبيرًا في العقود الأخيرة، حيث انتقلت من الطرق التقليدية إلى استخدام التقنيات الحديثة، ففي الماضي، كانت صناعة العطور تعتمد بشكل كبير على الحرف اليدوية والتقاليد المتوارثة، بينما تعتمد الصناعة اليوم على التكنولوجيا والابتكار.

قديماً، كانت صناعة العطور في السعودية تعتمد على الطرق اليدوية وباستخدام مكونات طبيعية محلية مثل العود والمسك، من خلال استخلاص الزيوت العطرية من هذه المكونات وتحضير تركيبات العطور بمهارة ودقة، وكانت أنواع العطور المتوفرة محدودة، كما كانت عملية تصنيع العطور تستغرق وقتًا طويلاً وتتطلب خبرة كبيرة في مزج المكونات بالنسب الصحيحة.

أما في الوقت الحالي، أصبحت صناعة العطور في المملكة أكثر تنوعًا وتقدمًا بفضل التكنولوجيا الحديثة، وتستخدم شركات العطور الرائدة أجهزة متطورة مثل التقطير بالبخار واستخدام الحواسيب للتحكم في نسب المكونات بدقة مما يساعد في تحسين جودة العطور وزيادة ثباتها، ويجعلها تدوم لفترات أطولـ والآن يمكن تحضير أنواع العطور بطرق أكثر فعالية وسرعة، مما يتيح صناعة العطور بكميات كبيرة تلبي الطلب القوي، كما أصبح من الممكن دمج تركيبات العطور السعودية التقليدية مع مكونات جديدة لابتكار عطور فريدة تلبي جميع الأذواق.

أشهر العطور الطبيعية في السعودية

تشمل صناعة العطور السعودية استخدام مجموعة متنوعة من المكونات الطبيعية التي تضيف للعطور رائحة فريدة ومميزة، وكل مكون يحمل تاريخًا طويلًا، ويستخدم في تركيبات العطور المختلفة لإنتاج أنواع العطور التي تلبي الأذواق المتنوعة.

العود: وهو أحد أكثر المكونات شهرة واستخدامًا في صناعة العطور، خاصة في العطور الشرقية والخليجية، ويُعتبر من أغلى المواد العطرية في العالم بسبب ندرته ورائحته الفريدة، ويلعب العود دورًا محوريًا في تاريخ العطور في المنطقة العربية، حيث يستخدم في تركيبات العطور الفاخرة.

المسك: وهو مادة عطرية طبيعية تُستخدم المسك على نطاق واسع في صناعة العطور بفضل رائحته القوية والمميزة وقدرته على تثبيت الروائح الأخرى، مما يجعله عنصرًا أساسيًا في أنواع العطور المختلفة.

العنبر: وهو مادة شمعية تُستخدم كعنصر ثمين في تركيبات العطور، ويتميز العنبر برائحته الدافئة والحسية، ويضيف لمسة فاخرة للعطور، ويعد من تركيبات العطور الطبيعية التي كانت تستخدم منذ القدم في صناعة العطور الفاخرة.

الزعفران: وهو أحد أغلى التوابل في العالم، ويُستخدم أيضًا كمكون عطري في تصنيع العطور، ويتميز برائحته الغنية والفريدة، ويُستخدم لإضافة نكهة خاصة للعطور الشرقية، ويُعتبر الزعفران جزءًا من التراث العطري في العديد من الثقافات، وله مكانة خاصة في تاريخ العطور.

الورد الطائفي: وهو نوع من الورود يُستخرج منه زيت الورد العطري، ويتميز برائحته العطرية القوية والجذابة، ويُستخدم في صناعة العطور التقليدية والحديثة، ويعتبر الورد الطائفي مكونًا رئيسيًا في العديد من أنواع العطور الراقية.

اللبان: وهو راتنج طبيعي يُستخرج من أشجار اللبان، ويُستخدم منذ القدم في البخور والعطور، ويتميز برائحته العطرية التي تجمع بين الحلاوة والدفء، ويُستخدم في تصنيع العطور لإضفاء طابع مميز ودافئ.